رحلة بين الاطباء هل أتوجه إلى الطبيب (الجسدي) أو الطبيب (النفسي)؟ هل المعاناة من الأوجاع…
هل ينجح الحصول على العلاج النفسي من خلال الانترنت؟ وهل ستكون فائدة الجلسات العلاجية من خلال الانترنت بنفس القيمة؟
في ظل التطور التكنولوجي والتواصل الإنساني من خلال شبكة الانترنت والضغوط المتعددة في العالم والتسارع في الانجاز في العالم، ظهرت الحاجة إلى إنجاز الكثير من المهمات من خلال الانترنت مثل: التسوق، التجارة، التعليم والمؤتمرات وحتى العلاج.
وقد ساهم انتشار فيروس كوفيد-19 في انتشار الحاجة إلى العلاج الجسدي أو النفسي من خلال شبكة الانترنت في فترات الحجر الصحي بشكل ملح، ورغم أنه كان متوفرا ومستخدما من قبل؛ إلا أنه أصبح أكثر انتشارا وتحول إلى حاجة وضرورة إنسانية، ويظهر هنا السؤال من قبل الكثير من المنتفعين حول جدوى العلاج من خلال الانترنت وإمكانية تحقيقه للأهداف المطلوبة.
ولا زالت البحوث والجهود جارية بخصوص تحديد ميزات ونقاط ضعف العلاج النفسي والإرشاد الأسري والاجتماعي من خلال الانترنت بعد خوض الكثيرين لهذه التجربة نتيجة ظروف الحجر الصحي مؤخرا، وتقديم أفضل ما يمكن من تجارب في هذا المجال، فكيف يجري العلاج من خلال الانترنت؟ وهل يمكن أن ينجح؟ ما هي نقاط قوته؟ وما هي نقاط ضعفه؟
تجري الجلسة النفسية من خلال الاتصال الهاتفي أو مكالمة مرئية من خلال أحد مواقع وتطبيقات التواصل المنتشرة، بحيث يتواصل المعالج أو المرشد النفسي مع الشخص الذي يتلقى الخدمة من وراء الكاميرا، ويتم الإنصات للمشكلة والتعبير عنها وتلقي الحلول والمساعدة والدعم خلال هذه المكالمة، وتكون في الغالب بنفس مدة الجلسة النفسية الوجاهية في المكتب أو العيادة النفسية.
وحول إمكانية نجاح هذه الجلسات فهي في الغالب تنجح ولو بشكل جزئي وتحقق بعض من أهدافها التي يحددها المختص أو غالبية تلك الأهداف، مثلها مثل الجلسات العلاجية الوجاهية المباشرة، ويعود تحديد حجم ذلك النجاح للكثير من الظروف والعوامل التي تؤثر في الجلسة النفسية في الواقع بشكلها الاعتيادي، فهي نفس العوامل والظروف تؤثر في أثناء التواصل العلاجي في الانترنت، كما ويضاف إليها بعض المعيقات الأخرى نتيجة ظروف الجلسة بهذا الشكل الجديد.
وسأذكر لك عزيزي القارئ أبرز مميزات التواصل لتلقي المساعدة النفسية من خلال الانترنت:
أولا: سهولة تحديد المواعيد بما يتلاءم ووقت متلقي المساعدة دون الاضطرار لبذل الوقت في الانتقال إلى مكتب المختص أو في الطرقات، بل يمكن كسب عامل الوقت والمواعيد بسهولة بهذه الطريقة.
ثانيا: رغبة بعض الحالات في الافتخار في حياتهم اليومية في بيوتهم أو مكان عملهم ومشاركتها مع المختص وشعورهم بالتعزيز بهذا الشكل، وشعور بعضهم بالراحة كونه في بيته وغير مضطر لمواجهة موقف جديد كثيرا مثل زيارة المكتب أو العيادة النفسية.
ثالثا: يتمكن الكثيرون من التغلب على التردد والحصول على سهولة في حجز الموعد وكسر حاجز الخوف النفسي من التواصل مع المختص، حيث كثيرا ما يتم تجاوز التردد بهذا التواصل في مواقع الانترنت بسرعة كبيرة.
رابعا: يوفر خيارات أوسع لاختيار المختص الذي يقدم المساعدة، حيث يمكن تخطي مشكلة المكان والبعد، ويمكن التواصل مع أي مختص مناسب بهذه الطريقة ومن أي مكان كان، وهذا يكون مناسبا جدا لمن يعيشون في البلدان الأجنبية ولا يجدون فرصة سهلة لتلقي المساعدة النفسية.
خامسا: يمنح اللقاء من خلال الانترنت للمنتفع من الجلسات شعورا بالتقارب النفسي مع المعالج أحيانا، ويُسهل على المنتفع من هذه اللقاءات التصرف بثقة أكبر بنفسه والتعبير عنها كونه في حالة تشابه في الموقف كبير مع معالجه.
وإليك عزيزي القارئ بعضا من معيقات تلقي خدمة العلاج النفسي من خلال الانترنت:
أولا: البعد الجسدي والمكاني بين المختص وطالب الخدمة العلاجية أو الإرشادية في بعض المواقف التي تكون مهمة فيها، وهذا يجعل هنالك قصورا في تقديم الخدمة النفسية بسبب ضعف التواصل الإنساني الداعم من لغة الجسد والإيحاءات الجسدية التي تصبح محدودة عبر الكاميرا أو مكالمة الصوت التي لها أثر كبير في تبادل التواصل بين الطرفين.
ثانيا: مشاكل تقنية مثل قطع الانترنت أو تشويشه أحيانا، أو عدم وضوح التصوير أو عدم توفر هاتف خاص وهذا مما يؤثر الموقف العلاجي.
ثالثا: الشعور أحيانا بعدم الأمان أو فقدان الخصوصية من خلال التواصل أونلاين، ويعود ذلك احيانا إلى أسباب نفسية تخص الشخص الذي يتلقى المساعدة ومخاوف من التواصل بهذا الشكل، وكذلك عدم قدرته على التعبير أمام الكاميرا أو عدم ثقته بالتواصل بهذا الشكل، أو عدم شعوره الكافي بالخصوصية والراحة وهو في بيته أو مكان عمله وشعوره بالمراقبة وبأن صوته مسموع. وأحيانا عدم رغبته بالتواصل من المكان الذي سبب له الأزمة في الغالب وهو بيته.
رابعا: مشكلة في ضبط البيئة المناسبة لتلقي الخدمة في البيت لدى الكثير من الحالات، ففي بعض الحالات لا يتوفر مكان خاص للشخص بسبب ضيق البيت، أو وجود عدد كبير من أفراد العائلة، وعدم قدرة متلقي المساعدة النفسية على ضبط الأطفال أو من يطرقون بابه. كلك عدم وجود وقت مناسب ضمن ظروف هذا الشخص يمكنه من فرض وقت خاص فيه دون تشويش.
خامسا: عدم وجود أمان كافي حقيقي من خلال التواصل في شبكة الانترنت رغم تميز بعض التطبيقات على غيرها في مستوى أمان التواصل من خلالها، وهذا بحد ذاته مسؤولية قد تزيد من الضغط على الطرفين في الجلسة.
سادسا: الشعور بالحرج أحيانا من شكل المكان الذي يتواجد فيه الشخص إذا كان متواضعا أو غير لائق، ورغم أنه في أوقات أخرى قد يكون سببا داعما نفسيا إلا أنه في أحيان أخرى يصبح مسببا للحرج في حالات قليلة. وكذلك قد يشعر متلقي المساعدة من الخجل من إظهار شكله من البيت وشكل ملابسه المنزلية والإضاءة من حوله، ورغبته بالظهور بشكل يلفت انتباه الأخصائي أحيانا أو يجعله يفتخر بنفسه أمامه، وقلقه بشأن رأي المختص بهيئته وهيئة بيته، وهذا يشكل ضغط على متلقي المساعدة في بعض الحالات.
هذه أبرز مميزات ومعيقات التواصل لتلقي العلاج النفسي أو الإرشاد الأسري والاجتماعي من خلال الانترنت، ويقع على كاهل المختص النفسي التحلي بالعديد من المهارات الشخصية والعلاجية كي يتمكن فعلا من تجاوز معيقات التواصل بهذا الشكل وتحقيق الأهداف المنشودة من الجلسات النفسية.
ولا بد أننا سنرى في القريب ترتيبا أعمق وأكثر تنظيما لهذه العملية الإنسانية الهامة من خلال الانترنت، خاصة مع ازدياد الحاجة لتلبية الواقع الذي يتسارع في الاعتماد على الانترنت في معظم جوانب الحياة.
أ. علا ادعيس
This Post Has 0 Comments