رحلة بين الاطباء هل أتوجه إلى الطبيب (الجسدي) أو الطبيب (النفسي)؟ هل المعاناة من الأوجاع…
كيف ينتقد المجتمع الأمهات في تربيتهن لأبنائهن ويؤثر عليهن؟ وكيف يمكن أن تحمي الأمهات أنفسهن أمام ذلك؟
ثقة الأم بنفسها وفي تربيتها لأبنائها أساس في بناء نفسية سليمة لدى الطفل، وبالأخص في سلامة الحياة في عينيه وثقته بها، وثقته بنفسه وبأنه قادر على اتخاذ قرارات صحيحة في المستقبل، فمتى كانت صورة الأم سليمة في عيني الطفل حصل على نمو نفسي سليم بخصوص الثقة بنفسه وبمن حوله، وأصبح بعيدا عن الاضطرابات الوسواسية في المستقبل.
وتعاني بعض الأمهات من الانتقاد الموجه إليها بخصوص دورها كأم مع أبنائها من قبل المحيطين بها، مثل أهلها كوالديها وأشقائها والأقارب، أو من قبل عائلة الزوج ونظرتهم المتفحصة إلى أساليبها التربوية.
وخلال سؤال طرحته على الأمهات بخصوص تعرضهن للانتقاد من المحيطين، أجابت الأمهات بالعديد من أنواع الانتقاد الذي يتعرضن له، وكانت كالآتي:
- انتقاد على شكل تشكيك في أدب الأبناء وإثارة التساؤلات حول أقل الأخطاء التي قد تقع منهم، واستخدام عبارة (أولادك عديمي التربية).
- اتهام وتشكيك في صفة الأمومة واتهام بعدم الكفاية أو الجدارة للقيام بمهماتها، واستخدام عبارة (أنت لست أم) أحيانا!
- اتهام بالتدليل الزائد واللين والتساهل أو القسوة الزائدة، وتضارب بين هذه الاتهامات للأم نفسها بين أهلها ونظرتهم لها وأهل الزوج وطريقتهم. وكل يراها بطريقة مختلفة فتحتار بينهم.
- انتقادات وكلام جارح وصل بالأم أحيانا لدرجة الشعور بالفشل بمهمة الأمومة.
- اتهام بأنها حازمة، مخيفة، قاسية، شريرة عندما تقرر أن تخالف شيء يريدون السماح به للطفل وهي ترى عكسه مثلا، أو استخدامها للشدة أحيانا أخرى.
- تشكيك في تعليمها الاحترام والكرم للأبناء واتهام لها بأنها تربيهم على اللؤم عندما يجدون بأن طفلها لا يعطي الآخرين بسهولة أحيانا.
- اتهام الأم بالأنانية كونها أم عاملة أو تضطر لوضع أطفالها بالحضانة، وكأنها غير حريصة عليهم.
- التعليق على الأسلوب التربوي حتى لو كان صحيحا، وبأن هناك دائما ما هو أصوب منه ودائما هناك نقص ما كان على الأم القيام به.
- معاملة الأم على أنها عاجزة في تربية الطفل وفهمه طالما أن الطفل يتحرك من مكانه وقياس قدرتها في التربية بناء على كثرة حركته وكلامه، بينما تمدح الأم التي لا يتحرك ولا يتكلم أطفالها!
- الانتقاد لذات الأم كشخصية وكإنسانة واتهامها ببعض الأمور السيئة، وإخبار الأبناء والحديث أمامهم عن ذلك وهذا يؤذي صورة الأم أمام الأبناء ويفسد العلاقة التربوية والاحترام بينهم.
- بعض الأمهات تعرضت للمقاطعة التامة بسبب إصرارها على موقفها التربوي مع أبنائها.
هذه مجموعة من التعديات والانتقادات التي تحصل بحق الأم بخصوص تربيتها لأبنائها، ومن الجدير بالذكر أن طبيعة الحياة الاجتماعية المتداخلة تساهم في هذه التدخلات وتزيد من فرصها، كما أن الناس بطبيعتها تؤمن بان ما تقوم به هو الصواب مثل تربية أبنائها، وبالتالي عندما يجدون من ابنتهم أو زوجة ابنهم أسلوبا تربويا مختلفا يعتبرون ذلك تخطيئا لهم ولما قاموا به في الماضي، أو تحقيقا لشيء قد عجزوا هم عنه في الأصل، وبالتالي ينتقدون الأم لتفريغ هذا الاعتراض في طريقتها التربوية.
ولكي تتمكن الأم من تجاوز هذه الانتقادات والتعديات، هذه بعض الحلول التي قد تساعد الأم في حماية صورتها وذاتها كأم:
أولا: فهم طبيعة الحياة والناس، وبأن الناس بشكل عام والأقارب بشكل خاص في كل شؤون الحياة يحاولون إثبات رأيهم وطريقتهم ويتمسكون بها، وبالتالي في موضوع تربية الأبناء وهو موضوع حساس وفيه مجال لتعدد الآراء، يجدون فرصة مناسبة لإبداء رأيهم وإفراغ شيء من الخلاف الطبيعي بينهم وبين الأم من خلال الانتقاد في تربية أبنائها. وبالتالي لو فهمت الأم هذه الطبيعة فهذا سيعطيها قوة أكبر في الثبات الانفعالي أمامهم والرد عليهم بثقة أكبر دون أن تتأثر أو تفقد ثقتها بنفسها.
ثانيا: هناك قاعدة جدا مهمة لو وعيت بها الأم فستغير من نظرتها للتربية، وهي أن جزء أساسي من نفسية طفلها مرتبطة بنظرتها إلى ذاتها وثقتها بنفسها، وثقتها بقيمة الأسلوب التربوي الذي تقوم فيه، وأن هذه الثقة جزء من نجاحها بشكل عام مع أبنائها، وبأن يصبح الطفل يقيم لها اعتبارا وقيمة في يومياتهم معا، وبأن الأسلوب التربوي الخاطئ أحيانا رغم أنه خاطئ إلا أنه أفضل من القيام بمهماتها التربوية وهي تشعر بالشك أو الخوف أو الذنب تجاه تربيتها لأبنائها. وبالتالي فالخضوع أمام الانتقاد سيؤثر على أبنائها بشكل سلبي، وهذه رسالة في ذات الوقت موجهة إلى أهل الأم وعائلة زوجها بأن يساعدوا الأم في الثقة بنفسها، ويدركوا بأن تشكيك الأم بنفسها وبتربية أبنائها ليس في مصلحة الأطفال بالدرجة الأولى، وأن الحل الأفضل هو ترك الأم تتولى زمام الأمور مع الطفل في مقابل استخدام النصح الايجابي بطريقة صحيحة مع الأم دون جرح أو تشكيك أو فضح لها أو اتهام بحقها.
ثالثا: من الجيد أن تستمع الأم للنصائح أو أحيانا الانتقادات ولكن دون أن تتأذى نفسيا، يعني لا تتأثر بها في بادئ الأمر وتحافظ على ثبات شخصيتها كأم، إذا كانت ليست متأكدة أين الصواب، ثم تراجع ذلك وتسأل وتبحث وتتأكد ما هو الصواب. أما إن كانت متأكدة من طريقتها التربوية فلا داعي للمراجعة والبحث.
رابعا: في حال تعرضت الأم لانتقاد أو تشكيك في أسلوبها التربوي فهي أمام هذه الخيارات: إما الصمت وعدم التعليق مع الحفاظ على حالتها الانفعالية الجيدة واعتبار أن مجرد تعليق فلا تهتم له، أو أنها تعبر عن تقبلها للطريقة التي يقترحونها وأنها ستفكر في الأمر بينما هي تقرر مع نفسها أنها مدركة ما هو الصواب مع ابنها وستفعله، أو الحوار أحيانا إذا كان الموقف يسمح وبدون تواجد الطفل من أجل فهم ما يريده الآخرون في التربية وطرح رأيها بوضوح وأن تقترح عليهم بأن الأمرين صوابا وأنها ستجتهد دائما للأصوب، وفي الغالب كسب الموقف مع العائلة بموافقتهم الظاهرة دون تأثر بهم هو خيار جيد للحفاظ على الروابط الاسرية.
خامسا: من المهم أن تركز الأم باستمرار على حقها كأم في تربية أبنائها وبأنهم أمانة إنسانية تحملها معها وتمرر لها الحياة، وبالتالي تقدر ذاتها على هذا الأساس وتؤكد لنفسها أنه لا يحق لأحد أن يقرر أي شيء يخص الطفل سواها هي ووالده، وبالتالي مهما سمعت من الآراء والاختلافات فهي سيدة الموقف وقادرة على فعل الصواب بشأن ابنها.
سادسا: من الجيد أن تثق الأم بصوت قلبها الذي أعطاها الله تعالى إياه، بأن تفعل الشيء الذي تنويه دون خوف وتردد بشأن ابنها، وتستجيب لهذه الحالة الفطرية التي لديها، ثم تسعى للتعلم أساليب التربية الصحيحة دائما بأن تقرأ وتستمع وتتعلم كي تزيد من ثقتها بنفسها أكثر.
هذه مجموعة من الأمور التي قد تساعد الأم في التخفيف من تأثير الضغط الاجتماعي في الانتقاد الموجه لها في حق تربيتها لأبنائها.
أ. علا ادعيس
This Post Has 0 Comments