رحلة بين الاطباء هل أتوجه إلى الطبيب (الجسدي) أو الطبيب (النفسي)؟ هل المعاناة من الأوجاع…
يتعرض الإنسان في عصر الانفتاح وكثافة التواصل الالكتروني والتكنولوجي إلى حالة واقعة لا يختلف عليها اثنان، وهي الغزو الفكري للأسرة بشكل عام وللأبناء بشكل خاص، حيث أنه في مرحلة التربية والبناء في الطفولة تبنى قناعات الإنسان وطرق إدراكه للحياة، وهو شخصية مستقبلة منفتحة للأفكار والتحديثات والمعلومات بدون حماية في هذه المرحلة.
وبالتالي يبرز في هذا الصدد دور للأسرة أساسي ومُلح من أجل حماية الابناء ومستقبلهم من كمية المعلومات المغلوطة عن الحياة وقيمتها، والتي يتم ضخها من خلال شبكات الانترنت وتطبيقات التكنولوجيا بشكل مباشر وواضح أو على شكل تمرير فكري غير واضح لتلك لأفكار المغلوطة وبأساليب منوعة وكثيرة للأسف.
وحقيقة فإن هذه الأفكار هي التي تؤسس إدراك الإنسان لحياته وبالتالي تبني القيم الإنسانية وعلاقته بالحياة، وبالتالي قد لا نستغرب الآن ظهور أفكار الإلحاد والشذوذ في الهوية الجنسية والعلاقات غير السوية مع الجنس الآخر والتركيز على المادية والمعتقدات الغريبة عن الخالق وكثير من آثار ذلك الغزو الفكري.
وبالتالي ندرك هنا أن الحروب بين الدول وغزوها نفسيا وفكريا واقتصاديا ودينيا أصبح ليس شرطا فيه استعمار تلك الدول لبعضها واحتلالها، بل يمكن اليوم من خلال شبكات الانترنت أن تدخل إلى المجتمعات بأكملها وتفسد بقدر ما تجد متسعا لها في العقول بكل ما تقدر عليه!
وإليك عزيزي القارئ والمربي بعضا من المقترحات التربوية التي تساعدك في حماية الأبناء من هذا الغزو الفكري:
أولا: التعامل مع الأمر بشكل جدي مع نفسك ومع أبنائك دون مواربة، وذلك بالتركيز على أهمية الدين في حياتنا ودوره، ومشاركة الابناء في الاستماع إلى دروس سريعة ومبسطة في العقيدة الإسلامية ومناقشتها معهم وتعريفهم بالله تعالى من خلال تعلم أسماء الله الحسنى بالتأمل في الكون والاستماع عنها وقراءة كتب جولها وتكليف الأبناء بعمل بحث بسيط وسريع فيها، والقراءة في السيرة النبوية أو مشاهدتها بشكل جماعي، والاطلاع على تاريخ المسلمين ومراحله، ولعلك تبني لنفسك وعيا في ذلك لم يكن موجودا لديك برفقة أبنائك من خلال الانترنت وما يوفره اليوم من دروس ومقالات وكتب وأفلام جاهزة كرتونية أو وثائقية أو أعمال تلفزيونية من أفلام ومسلسلات.
ثانيا: التخطيط لهذه الحماية وعدم ترك الأمر وكأنه شيء غير أساسي أو كما تربيت أنت دون بذل الجهد بخصوصها، بل أصبح الأمر يحتاج إلى حماية حقيقية مقصودة منظمة في كل بيت، فقم بالتخطيط في يومك ووقتك مهما كان قصيرا وفي نهايات الأسبوع، وأدخل في هذه الخطة كل ما تقدر عليه من تربية إيمانية وفكرية تطالها يدك، ولا يوجد عناصر محددة تبدأ بها، ولكن تعتبر العلاقة مع القرآن الكريم قراءة وفهما هو أساس لأي بناء، ومعرفة الله تعالى والحديث عنه باستمرار ودور وجوده والإيمان به في حياتنا، وأي أمور من العقيدة الإسلامية وكذلك من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم. وقيمة الحياة وتحمل مسؤولية وجودنا أساس لا يمكن تجاوزه.
ثالثا: المشاركة مهمة لأنها تخلق اهتمام للأبناء، فالابن يرى ما يراه أبويه، وتتعلق عينيه على أعينهم وما يهتمون له، ولذلك لا تستخف بدقائق تقضيها وأنت تمنحهم شعورا بالاهتمام يغنيهم في المستقبل ويوجه انتباههم للحياة بشكل واعي، فكل لحظة تشترك فيها مع أبناءك بلعب أو مشاهدة أو قراءة أو دردشة حوارية أنت تخلق مسارا واهتماما في عقل أبناءك، وبالتالي ضع المشاركة كجزء أساسي من خطتك ولو بجرعات بسيطة من الحوار أو طرح سؤال ومشاركة الإجابة عليه أو أي نشاط مشترك بينكم مما ذكرناه في النقاط السابقة.
رابعا: افتح مجموعة خاصة بأبنائك في مواقع التواصل الاجتماعي، أنشأ مجموعات في كل موقع من المواقع وشاركهم فيه اهتماماتك التي تشاهدها، قم بتنويع مشاركتك ما بين الضحك والتعليم والفكر والدين، لا تلعب بين أبنائك دور المدير وإنما القائد الذي يوجه الفريق دون أن يفرض نفسه في كل تفصيل. ومن المصيبة أن يتشارك الأبناء في المجموعات مع كل من تطاله علاقاتهم في هذا العالم المفتوح ويضعون فيها اهتماماتهم ويلفتون الانتباه لأنفسهم بمشاركاتهم بينما لا يقدرون على فعل ذلك مع أهلهم!
اسمح للأبناء بمشاركة ما يلفتهم، وحقيقة فإن الابن سيسعى كيف يوجه ذوقه في انتقاء النافع واللافت في مواقع التواصل كي يلفت انتباه والديه له، لأن هذه حاجة لدى جميع الأبناء، فاستثمر حاجة ابنك للفت انتباهك له ولمميزاته في مشاركة المقاطع والصور التي تعجبه في مجموعاتكم الخاصة. وكن ايجابيا ولا تنتقد أي مشاركة، بل دائما علق على المقطع بالشكل الجيد وغير الجيد إن وجد دون إلقاء أوامر أو تأنيب له كي تسمح بوجود المساحة الحرة والآمنة للمشاركة بينكم. وستكتشف مع الوقت أنك تعلم أبناءك انتقاء ما يرونه أو يهتمون به من خلال هذه المجموعات ولكن مع الصبر والتحمل والوقت كي تحصد نتيجة.
وبهذا الشكل أنت تفتح بوابة تربية كبيرة وأنت في عملك ومشغول في يومك من خلال توجيه أشياء تعلم أبناءك شيئا جديدا جيدا، وقد تحصل المناقشة لاحقا بينكم إذا كنت فعلا مهتما لمشاهدتهم لما يتم إرساله.
خامسا: فتح الحوار أو مشاهدة الفيديوهات أو الاستماع إلى المقاطع او قراءة المقالات ذات الصلة بموضوع الغزو الفكري بشكل واضح ومفتوح، والحوار مع الأبناء حولها وما هي أدواتها مثل الألعاب الالكترونية والأفلام والتطبيقات، علم أبنائك وشاركهم ما تعرفه عن هذا الموضوع ودعهم يعلموك من خلال بحثهم واجتهادهم في هذا الأمر، اجعل هذا الموضوع موضوع اهتمام في بيتكم بشكل مباشر وسعي لكسب خبرة في أسرتكم حوله، حيث أن هذا الأمر وصل إلى حد الإلحاح في أن نعزز أبناءنا في الوعي بموضوع الغزو الفكري وكيف يقومون بحماية عقولهم ويسيجون أنفسهم من تأثيراته. اجعل الحديث في هذا الموضوع بشكل مستمر مثل أن يكون أسبوعيا أو كلما سنحت الفرصة لكم من خلال أي وسيلة تعلمكم معا.
سادسا: اجعل علاقتك بأبنائك علاقة صداقة، وتقبل عيوبهم ونقاط ضعفهم حتى تتمكن من معرفة ما في عقولهم، وما يجري بينهم وبين أصدقائهم واكسب ثقتهم حتى يعودوا إليك بأي فكرة غريبة ويستشيرونك بها بدلا من أن يكونوا عرضة للحيرة بها دون وجود مرجعية تصحح لهم ما يرون ويسمعون.
والابن الذي يحيا مع أهله علاقة آمنة محبة سيعود إلى أهله بكل أمر غريب أو مخالف يسمعه، بينما تجد الأفكار الخارجة على فطرة الله تعالى ومنهجه ومنظومة القيم والاخلاق سبيلها إلى الابن الذي يشعر بأنه وحيد بين أهله وبأنهم لا يحبونه، وبأنه لا يجد من يفهمه. فاحرص على علاقتك بأبنائك وتصحيحها فأنت أولى من يرجعون إليه.
سابعا: اخلق بيئات تربوية آمنة لأبنائك، سواء اكانت من خلال الذهاب للمسجد وتحبيبهم فيهم ومصاحبتهم إليه، أو من خلال المخيمات الصيفية والشهرية، أو من خلال صنع تجمعات لهم ولأصدقائهم الجيدين وربطهم ببعض والعمل على ذلك فالأصدقاء أساس في بناء التفكير في العمر المتقدم، ومن خلال المكتبات والنوادي الثقافية أو الرياضية، ابحث بدون توقف عن أماكن تحتضن أبنائك عندما يخرجون تكون سببا في بنائهم ودعمهم وليس في زعزعة ما ربيتهم عليه.
ثامنا: اجعل الحوار في الأمور الخاصة فيما يتعلق بالجنس وكل ما يحيط به من تفاصيل مفتوحا للحوار بينكم، واعمل على ذلك بالتدريج، فاليوم أصبح لا يوجد حماية على الأبناء في مراحل عمرهم من هذا الموضوع، طالما أن الابن يدخل إلى الشاشة الالكترونية وحيدا، وبالتالي هذا الجانب هو مصدر لتمرير الكثير من الأفكار والمفاهيم المغلوطة واستغلال الأبناء ووقوعهم في مشكلات، فلا تقصر في الحديث والتوعية في معلومات صحيحة عن هذا الأمر، ثم بناء وعي لأساليب الحيل والخدع والاستغلال الجنسي من خلال الانترنت وكيفية الحماية منها والأمان الالكتروني.
تاسعا: لا تترك أبنائك في فراغ من الوقت قدر المستطاع، ابحث عما يشغلهم ويشغل يومهم بأي شكل كان، فالفراغ مفسدة العقل فما بالك بمن يقضيه أمام شاشة مفتوحة على العالم مليئة بكل ما هب ودب، فلا تترك جهدا يبذل في إشغالهم ولو لأوقات قليلة إلا وتضعهم على طريقه.
هذه مجموعة من الإرشادات المساعدة أحببت مشاركتك بها عزيزي القارئ والتي قد تكون سببا في بناء مستقبل آمن لك ولأبنائك.
أ علا ادعيس
This Post Has 0 Comments