رحلة بين الاطباء هل أتوجه إلى الطبيب (الجسدي) أو الطبيب (النفسي)؟ هل المعاناة من الأوجاع…
ما هو الاضطراب النفسي؟
كثيرا ما نسمع عن وجود اضطراب أو مرض نفسي، ولكننا نتساءل حول معنى المرض النفسي؟ أو كيف يمكن تمييزه؟ ولماذا يحصل مع البعض؟ وهل من الممكن أن أكون أنا مضطرب نفسيا؟
ومن الطريف أنك حين تفهم معنى الاضطراب النفسي ستدرك أن الناس جميعا بدون استثناء لديهم شيء من الاضطراب النفسي ولكن بنسب متفاوتة! بمعنى أن الاضطراب النفسي هو حالة إنسانية طبيعية حسب تكوين النفس الإنسانية.
ولكي نفهم ذلك، دعونا بداية نعرف معنى الاضطراب النفسي بأبسط ما يمكن لك عزيزي القارئ؛
فالاضطراب النفسي هو تراكمات من المشاعر النفسية غير السوية التي تؤثر على أفكار الإنسان وتنعكس على سلوكه، وجميع البشر لديهم جزء ليس بالبسيط من المشاعر غير السوية أو المشوشة.
ويبقى الإنسان بدون معاناة أو مشكلة بسبب تلك المشاعر غير السوية طالما أنه يعرف كيف يديرها ويصرفها ويعترف بها أحيانا ويعيد كبتها أحيانا أخرى ويعبر عنها بطرق كثيرة في يومياته، لكن عندما تصل هذه المشاعر إلى درجة تراكم كبير وضاغط تبدأ بالتأثير على الحالة الفسيولوجية للجسد، ويضطرب الجسد بسبب قوتها، ومن هنا يبدأ الاضطراب بالسيطرة على الشخص المضطرب، ويفرض عليه حالة شعورية لاإرادية لا يستطيع التخلص منها كما كان يفعل بالسابق.
كما أن تعرض الإنسان لمواقف صادمة أو هزات نفسية أكبر من قدرته الاستيعابية النفسية قد تؤدي إلى اضطراب مباشر في تركيبته النفسية ويصاب بالاضطراب النفسي، والصلابة النفسية وقدرة التحمل هذه تختلف من إنسان لآخر نتيجة العديد من العوامل مثل التنشئة البيئية والاجتماعية والعوامل الوراثية. وبالتالي يجدر بنا أن نرفع من صلابتنا النفسية من خلال التربية المتوازنة للأطفال أولا، ثم رفع مستوى الإيمان والتقبل للحياة بكل أشكالها، وأمور كثيرة يمكن الحديث عنها في مقال آخر عزيزي القارئ.
ويظهر الاضطراب النفسي على شكل مجموعات مرتبطة من الأعراض يمكن تشخيصها بناء على تصنيفات عالمية لتلك الأعراض، بأكثر نوع من المصنفات العلمية للاضطرابات ليسهل تشخيصها وتقديم العلاج بناء عليها، وهي لا زالت قابلة للترتيب والتعديل حسب الدراسات في هذا المجال، وتمثل الأدلة التشخيصية للاضطرابات النفسية مرجعا هاما في تنظيم عملية العلاج النفسي وتوحيده في العالم.
وتظهر الأعراض النفسية بصور مختلفة منها في تغييرات في المشاعر مثل: الشعور بالسوداوية أو الحزن أو الرغبة في البكاء أو التوتر أو الخوف وغيرها، وأعراض مرتبطة بأفكار الشخص: مثل أفكار الشك وسيناريوهات الخوف وأفكار وسواسية متكررة وأفكار القلق وغيرها، كما تظهر أعراض جسدية مصاحبة للاضطراب أحيانا مثل: سرعة ضربات القلب وضيق في التنفس أو صداع أو آلام أو دوار وغيرها.
اقرأ: الأعراض التي تستدعي الاستشارة النفسية
وللاضطرابات النفسية مسميات كثيرة وتصنيفات عديدة كما ذكرنا سابقا مصنفة في الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية مثل: الاكتئاب بأنواعه العديدة، والهلع والرهاب الاجتماعي والوسواس القهري واضطراب ثنائي القطب والفصام العقلي واضطرابات النوم واضطرابات تناول الطعام. والقائمة طويلة لهذه التصنيفات ولكن هذه بعضا من أشهر تلك الاضطرابات النفسية.
وجدير بالذكر أن الشخص الذي يتعرض لاضطراب نفسي لا يعد ذلك مؤشرا على ضعفه النفسي تماما، بل قد يكون في الواقع هو شخص ذكي صاحب إرادة، ولديه إنجازات كثيرة، وشخصية اجتماعية، ولديه الكثير من المواصفات الشخصية والنفسية الجيدة مثلا، ولكنه لديه أسباب وراثية أو قابلية نفسية سابقة للتحويل النفسي والعصبي نحو الاضطراب، وبمجرد تعرضه للظروف الضاغطة التي يتعرض لها الآخرون، تتحول إلى حالة اضطراب نفسي خارج عن تحكمه أو سيطرته، ويصبح الخروج من هذه الحالة بحاجة إلى تدخل دوائي أو تدخل علاجي نفسي يعيده إلى الحالة الطبيعية.
وفي الغالب يعتقد من لم يصابوا بحالة اضطراب نفسي بأن المضطرب نفسيا قادر على التخلص من الاضطراب وبأن ذلك ضعف في ذاته، وبأنه شخص عاجز، والحقيقة غير ذلك، فهو شخص مضطرب فعلا ولكن من الجيد أن نفهم بأنه كان من الممكن أن يكون اضطرابه بصور أخرى مثل المرض الجسدي أو المشكلات الاجتماعية الكثيرة أو المتكررة، ولكن كما ذكرنا سابقا، القابلية العصبية للتحويل لديه هي باتجاه نفسي أكثر منه لأي جانب آخر في الجسد. وهذا لا يعطيه صفة الوصمة السلبية التي توجه في المجتمع للاضطراب النفسي. بل هو أحد أشكال التعبير الإنساني عن الضغط النفسي.
أ. علا ادعيس
This Post Has 0 Comments