رحلة بين الاطباء هل أتوجه إلى الطبيب (الجسدي) أو الطبيب (النفسي)؟ هل المعاناة من الأوجاع…
مراحل الوصول إلى العلاج النفسي
كيف يتعامل المجتمع والأفراد مع المشكلات الاجتماعية أو أعراض الاضطراب النفسي عند ظهورها؟
عندما يتعرض الفرد لاضطراب نفسي أو مشكلة اجتماعية تسبب له أزمة نفسية عميقة أو يعجز عن حلها، يمر بعدة مراحل قبل الوصول إلى العلاج أو تلقي المساعدة، وتكون هذه المراحل ومدتها غالبا مرتبطة بقناعات الشخص والبيئة المحيطة فيه وطبيعة المجتمع حول الاضطراب النفسي أو المشكلة الاجتماعية، وسألخص لك في هذا المقال الطريقة التي يتعامل بها الشخص مع الأعراض التي تصيبه، بالتسلسل حسب تطور تلك الأعراض وما هو الصحيح منها؟ وكيف تؤثر تلك المراحل على المشكلة النفسية؟
من أبرز المراحل التي يمر فيها الشخص قبل أن يصل لمرحلة تلقي العلاج أو المساعدة النفسية من المختصين:
المرحلة الأولى:
التجاهل والانتظار واعتبار أن الأمر حدث عارض، وهذه المرحلة هي صحيحة بحق الشخص ولصالحه، حيث أن اعتبار أن الأمر عارضا في البداية أحيانا سيؤدي إلى اختفاء الأعراض، على أن يكون التجاهل والانشغال عنها لفترة محدودة فقط، أسبوعين مثلا. فالأعراض العابرة النفسية تحصل لدى معظم الناس وتختفي لاحقا مع انشغالهم في الحياة وعدم الانتباه لها، والتصرف الصحيح في هذه الحالة بأن لا يركز الشخص في كل عرض يصيبه، ويعتبر أن هنالك سبب ما لما يحصل معه وبأن ذلك سيمر.
المرحلة الثانية:
حل المشكلة بكل الطرق الممكنة ذاتيا مع استهجانها، حيث أنه مع استمرار الأعراض لفترة طويلة، وبدء الشخص بالانزعاج منها ومن زيادة تأثيرها على حياته، وتأثر يومياته بها، وأحيانا ملاحظة الآخرين لحالته، تبدأ مرحلة الاستنكار والسعي لإيجاد حلول قد تكون ذاتية دون أن ينتبه عليه أحد، وأحيانا يتدخل الآخرين بمقترحات مناسبة للشخص الذي يعاني، بأن يفعل كذا أو كذا، وبأن عليه أن يتجاهل أكثر مما يحاول هو، وأن يزيد من إرادته وإيمانه ولا يسمح للأعراض بالسيطرة عليه. وهذه المرحلة جيدة ولكن بدون أن يستخدم الآخرون لوم الشخص الذي يعاني من المشكلة، ودون اتهامه بالعجز أو الضعف، ومع مراعاة أن بعض المحاولات الذاتية للمساعدة قد تكفي، فإن لم تنجح فهنالك مختصين يعرفون الحل الصحيح لها، فلا داعي للمحاولات الفائضة التي قد ترهق الشخص وتجعله يبدأ بلوم نفسه لأنه لم ينجح أو قيام الآخرين بلومه لأنه عجز عن إنهاء حالته.
المرحلة الثالثة:
مع استمرار الأعراض لفترة طويلة، وممارسة محاولات ذاتية متكررة لحل المشكلة والضغط من قبل المحيطين على الشخص كي يتجاوز أعراضه بنفسه، تبدأ مرحلة إحالة المشكلة إلى مصادر خارجية مثل؛ العين والحسد والسحر، ثم التوجه إلى العلاج لدى أشخاص يدعون علاج هكذا مشكلات، وتكرار تلك المحاولة أحيانا لدى أكثر من شخص، حيث أن المجتمع يجهل طبيعة الاضطراب النفسي ويستغرب من أعراضه بل ويستهجنها، وبالتالي يرى في اتهام التأثير الخارجي فرصة للتخلص من مسؤولية وجود حل مرتبط بالشخص نفسه وقدرته. وهذه المرحلة مؤذية جدا للحالة، بل وتزيد من الأعراض النفسية لأن أساليب العلاج المستخدمة فيها تغطية حقيقة ودجل وكذب وشعوذة غالبا، وتربط أسباب المشكلة بالآخرين وتحملهم مسؤولية الأعراض وتبرئ (المريض أو الشخص الذي يعاني من مشكلة)، وهذا يزيد من الخوف لدى صاحب المشكلة والشعور بالتهديد، وبالتالي ستتطور الأعراض أكثر مع الوقت خاصة إذا تكررت هذه المحاولة أكثر من مرة. كما أن وقت هذه المحاولات سبب في تضييع بضعة شهور في حق الشخص دون تلقي المساعدة التي تلزمه وهو يبحث عمن يخلصه من السحر أو الحسد.
المرحلة الرابعة:
الإنكار: بعد استمرار الأعراض رغم محاولة التجاهل الأولى والسعي لحلها من خلال معالجين للسحر أو العين والحسد، والجهل بأن هذا العلاج مليء بالوهم والدجل، ينتقل الشخص للمرحلة التالية وهي الاقتناع بأن هنالك مرض ما يحتاج التوجه للعلاج مع الاستمرار بلوم المحيطين للشخص الذي يعاني من المشكلة النفسية والضغط عليه كي يتخلص من مشكلته واستمرار لحالة الإنكار والاستهجان، ويظهر الإنكار أحيانا في البداية على شكل رحلة التوجه إلى أطباء الجسد، وغالبا يتوجه الأشخاص إلى طبيب الباطنية أو القلب والتنفسية وأحيانا العصبية، وذلك بسبب ارتباط تلك التخصصات بالأعراض النفسية، ويخوض صاحب المشكلة النفسية رحلة فحوصات وصور طبية بكل أنواعها بحثا عن سبب للمشكلة، ولا يقوم جميع الأطباء بتحويل المريض إلى الطب النفسي كما يجب، وهذه مظهر آخر من مظاهر تأخر العلاج النفسي في مجتمعاتنا، وهي عدم ثقة أطباء الجسد بنتائج العلاج النفسي وتحويل المرضى له وأحيانا تأثرهم هم كذلك بفكرة الوصمة الاجتماعية، فيستمر المريض في الفحوصات والتنقل بين الأطباء لفهم حالته، وفي هذه المرحلة تضيع المزيد من الوقت مع وجود الأعراض، والشخص لا زال يبحث عن علاج دون فائدة.
اقرأ : الأعراض التي تستدعي الاستشارة النفسية
المرحلة الخامسة:
وهذه المرحلة قد تتزامن مع المرحلة السابقة أو تليها، ولا يدخل بها الجميع، وفيها يبدأ الشخص بالبحث من خلال شبكة الانترنت ومحاولة تشخيص نفسه لأنه بدأ بالفعل البحث عن الأعراض التي يعانيها، ولكنه لا يرغب بزيارة الطبيب النفسي لأنه لم يسمع من أحد عن تلك الفكرة! ويستمر بالبحث ويتيه بين الأعراض، ويبحث عن حلول مكتوبة أو في الفيديوهات المجهزة، ويطبق ما يرى ويسمع لعله يتخلص من حالته، ورغم أن القليل جدا من الحالات تتمكن من الاستفادة من الانترنت، إلا أن البحث في الانترنت قد يخيف الشخص، وقد يتفاجأ أن الكثير من الاضطرابات التي يقرأ ويسمع عنها تشترك في حالته، وهذا سيتعب الشخص أكثر فأكثر إن تأخر في العلاج.
المرحلة السادسة:
المرحلة الصحيحة باتخاذ قرار التوجه إلى المختص في العلاج النفسي سواء أكان طبيبا نفسيا أو أخصائيا يعالج بالجلسات النفسية، وقد يحتار الشخص لمن يتوجه منهم، ويعاني بسبب عدم سهولة البحث عن متخصص بسبب عدم القدرة على إظهار حالته للآخرين، وخوفه من رفض المحيطين لقراره، وعدم شهرة هؤلاء الأخصائيين وقلة الحديث عنهم بسبب وصمة المجتمع حول العلاج النفسي. وفي أثناء هذه المرحلة يعاني صاحب المشكلة النفسية من رفض المحيطين وتخويفهم له وعدم ثقتهم بفكرة وصول الأماكن التي فيها هكذا تخصص حسب تعبيرهم، وشعورهم بالخجل والعار، وخوفهم من أن يقابلهم أحد وهم في العيادة النفسية، ومحاولة إخفاء هويتهم عند الدخول لتلقي العلاج. والأصل الصحيح بأن الشخص يصل إلى هذه المرحلة بعد المرحلة الأولى مباشرة بكل بساطة، ويحصل على العلاج بالشكل الصحيح دون تأخير قد يرهقه ويزيد من حالته أحيانا.
اقرأ: الفرق بين الطبيب النفسي والاخصائي النفسي
إن تلقي العلاج النفسي في وقته الصحيح يزيد من فرصة الشفاء والتعافي منه ومن أي مشكلة اجتماعية والحصول على ذلك بسرعة أكبر، ونحن بحاجة إلى خلق وعي مجتمعي كاف، يساعد فئة ليست بالبسيطة في المجتمع، بل وتمس المجتمع كله.
هذه أبرز مراحل الوصول إلى العلاج النفسي التي يمر الشخص بها عند ظهور أعراض نفسية لديه.
أ. علا ادعيس
This Post Has 0 Comments